الجين الأنانى (3): هل كل الرجالة خاينين؟ وهل الستات فعلاً متطلباتهم كتير؟

مقدمة عن استغلال الأنثى تانى

زى ما شوفنا فى الموضوع الأول من السلسلة دى أن وجود الحيوانات المنوية واللى هى بتميز جنس الذكور كان معتمد على فكرة استغلال البويضات اللى بتوفر الغذاء اللازم للجنين. استغلال الأنثى موقفش عند هنا، ولكنه فضل يحصل فى الطبيعة على مستويات مختلفة .. وحيث أن الnatural selection دايماً هيدى أفضلية للاستراتيجيات اللى بتشجع على تمرير الجينات بشكل أكبر وإنجاب أكبر عدد من الأطفال مع ضمان أن فرصتهم فى البقاء تكون برده عالية، فطول الوقت الذكور والإناث بيطوروا استراتيجيات جديدة واللى فيها كل طرف بيحاول يستغل الأخر أو على الأقل يقلل الاستغلال اللى بيتعرض له عشان يزود من فرصه فى تمرير جيناته للأجيال اللى بعد كدة.

ومهم نحط فى اعتبارنا موضوع رعاية الأطفال والاستثمار فيهم (Parental Investment) وأن الموضوع مش بس معتمد على إنجاب أكبر عدد من الأطفال وخلاص .. فكل طرف لو عليه هيبقى عايز يقلل من الاستثمار اللى بيقدمه لرعاية أطفاله اعتماداً على أن الطرف التانى يشارك بدرجة أكبر. وطبعاً نتيجة أن عملية التكاثر فى حد ذاتها بتجبر الأنثى على أنها تستثمر بشكل أكبر من البداية فى مرحلة الحمل والرضاعة، ففى الأغلب الذكور هم اللى بيحاولوا دايما يستغلوا الموضوع ده ويعتمدوا على الأنثى أنها تكمل رعاية للطفل بقى وهم يشوفوا إناث تانيين ينجبوا منهم وهكذا عشان يزودوا فرصهم فى تمرير جيناتهم.

وعشان الإناث يقللوا من الاستغلال اللى بيتعرضوا له ده، فورقة الضغط اللى فى ايديهم هى أنهم يرفضوا أصلاً أن العلاقة بينهم وبين أى ذكر تحصل بسهولة كدة، وأن الأنثى هى اللى تختار الذكر المخلص اللى يصلح يكون أب لعيالها من حيث جودة جيناته ومن حيث برده إخلاصه ودوره فى رعايتهم .. ومن هنا ظهرت فكرة أن الإناث يتقلوا وميدوش فرصة لأى حد بسهولة، وده شائع فى فصائل كتير من الحيوانات بشكل عام. ومش بس الأنثى بتتقل وبتخلى الذكر يستنى كتير عشان يكون فى علاقة معاها، ده أحياناً الأنثى بيكون ليها متطلبات زى أنه يبنى العشة بتاعتهم أو أنه يقدملها أكل لفترة معينة من الزمن قبل ما يدخلوا فى العلاقة.

والهدف هنا هو أنها تحاول تجبر الذكر على الاستثمار بشكل مبدئى فى الأطفال اللى هيجيبوهم وكنوع من الضمان أنه هيفضل مخلص ومش هيسيبها بعد ما يعملوا العلاقة معتمداً على أنها هى اللى تشيل الليلة بعد كدة .. طبعاً الذكر نفسه يخلع ويشوف إناث تانيين يعمل معاهم علاقات يزود بيها عدد أطفاله، لكنه لو لقى الموضوع مكلف كدة ومش سهل ومحتاج مجهود كبير فالأحسن له أنه يركز على علاقته مع الأنثى اللى مرتبط بيها ويربى عياله باحترامه وخلاص لأنه عشان يشوف أنثى جديدة الموضوع هياخد وقت ومجهود هيقلل أصلاً من فرصه فى التكاثر وتمرير الجينات.

طب ليه الرجالة ميبقوش مخلصين ويبقى كل واحد مرتبط بواحدة بس وميحاولش يلعب بديله؟ وهل الستات هتفضل تتقل كدة وتصعب الموضوع على الرجالة؟ فزى ما شوفنا فى البوست اللى فات أنه أى منظومة بتفترض أن أفرادها يبقوا ناس محترمين ويتعاونوا بشكل عادل فده فى حد ذاته بيتفتح الباب للانتهازية والاستغلال .. والمرة اللى فاتت ناقشنا الموضوع باستخدام نموذج رياضى مبسط بس المرة دى هنشرح من غير math بس فالكتاب كان عامل برده نموذج بيشرح عليه بس هى نفس الفكرة العامة زى ما طبقناها فالpost اللى فات على صفة العدوانية .. المرة دى هنحاول نطبق نفس الفكرة على صفة الخيانة الزوجية عند الذكور وميل الإناث لأنهم ياخدوا وقت أطول ومتطلبات أكتر عشان يدخلوا فى علاقة.

الخيانة أحسن ولا الإخلاص؟

المرة دى هيبقى عندنا نمطين من استراتيجيات الذكور ونمطين من استراتجيات الإناث نشوف من خلالهم الدنيا هتمشى ازاى وازاى يحصل استقرار فى المنظومة، فسريعاً كدة الأنماط اللى عندنا هتكون كالأتى:

  • الأنثى الخجولة (coy): دى اللى بتتقل وبتحتاج وقت طويل من الذكر عشان يثبت فيه أنه هيبقى مخلص وابن ناس
  • الأنثى السهلة (fast): دى معندهاش مشكلة تعمل علاقة مع أى حد على طول
  • الذكر المخلص (faithful): ده اللى مستعد يقضى حياته مع الأنثى اللى هيرتبط بيها ويقدر يلبى شروطها أو متطلباتها
  • الذكر الخاين (Philanderer): ده معندوش صبر ومش مخلص فى علاقاته وهيبقى عايز يخلع ويعمل علاقات تانية

فخلينا نبدأ بافتراض أن المنظومة بتاعتنا كل الأفراد فيها عبارة عن ذكور مخلصين وإناث خجولات .. طبعاً دى الحالة المثالية اللى الحياة مفروض تكون فيها جميلة بس المشكلة بتبدأ لما يحصل طفرة وتظهر أنثى واحدة "سهلة" يكون معندهاش متطلبات ومش بتاخد وقت عشان تدخل فى علاقات مع الذكور .. الأنثى دى نتيجة أنها مش بتضيع وقت فمعدل إنجابها هيبقى أعلى وبالتالى جيناتها هتنتشر بشكل أكبر فى الأجيال اللى بعد كدة والاستراتيجية بتاعتها هتبدأ تنتشر ويبقى أغلب الإناث بيدخلوا فى علاقات بسرعة.

لحد دلوقتى الرجالة مخلصين وكل حاجة .. بس نتيجة أن تقريباً كل الإناث بقوا سهلين فلو حصل طفرة وظهر ذكر واحد خاين هيقش وهيدخل فى علاقات كتير ويخلف كتير، وبالتالى برده جيناته هتبدأ تنتشر بشكل أسرع فى الأجيال اللى بعد كدة والاستراتيجية بتاعته هتنتشر وسط الذكور.

ولما تقريباً كل الذكور يبقوا خاينين ده هيرجع يدى أفضلية للإناث الخجولين اللى متطلباتهم بتفرض على الذكر أنه يستمر فى العلاقة ويرعى أطفالهم وبالتالى فرصة بقائهم هتزيد ويرجع يحصل تانى انتشار للاستراتيجات بتاعت الخجل عند الإناث والاخلاص عند الذكور.

بس زى ما شوفنا المرة اللى فاتت أنه عشان نوصل لESS (Evolutionary Stable Strategy) فصعب كل أفراد المنظومة يتبعوا نفس الاستراتيجية، وبالتالى نقدر نقول أنه عشان يحصل استقرار عندنا هنا فحتما ولابد هيكون فيه نسبة من الذكور خاينين وبيلعبوا بديلهم وكذلك نسبة من الإناث سهلين .. وبالتالى مينفعش نقول أن كل الرجالة خاينين بس نقدر نقول أن فيه دايماً نسبة ما من الرجالة خاينين أو عندهم ميول للخيانة، وبالمثل بالنسبة لصفة التقل عند الإناث.

كلمتين جدعنة من عندى

طبعاً الاستراتيجيات دى لسه أثرها موجود فينا كبشر وبشكل ما الحاجات دى قدرت تشكل ثقافتنا وطريقة تفكيرنا وأحاسيسنا حتى ولو بشكل لاواعى .. لكن مع تطور الوعى ووجود وسائل منع الحمل وتحليل الDNA والقوانين اللى بتنظم علاقات الأفراد ببعض فمش محتاجين نفضل شغالين بنفس الاستراتيجات اللى البشر وبقية الكائنات غيرهم قبل كدة كانوا بيستخدموها .. كمان لما نقول على انتشار صفات معنية فى الذكور والإناث فده مش معناه أنها حاجة حتمية مجبورين عليها دلوقتى أو أن ده مثلاً تبرير للصفات دى وأن محدش قادر يتحكم فيها.

المنظور التطورى مش هدفه أننا نستمد منه أى قيم نعيش بيها أو مبررات لسلوكيات شايفنها مش مناسبة للإنسان الحالى .. لكنه مجرد بيورينا الأسباب اللى وصلتنا للوضع الحالى وبيساعدنا نبقى على وعى أكتر بأحاسيسنا وغرائزنا وبناء عليه نقدر نفكر ازاى نتعامل معاها ونغير أفكارنا وثقافتنا بالشكل اللى يناسبنا أكتر دلوقتى ويخلى حياتنا أحسن.

Comments