الجين الأنانى (5): جين الهايچين

هل فيه جين بخلينا نحاول ننقذ حد بيغرق؟

فى الأجزاء اللى فاتت كنا بنفترض أن الجينات بتأثر بشكل ما على سلوكيات الأفراد وبتخليهم يتصرفوا بشكل معين وكنا بنبنى على الافتراض ده ونعتبر أن توريث الجينات دى هيؤدى لتوريث صفات زى الإيثار وحب الأهل أو الميل للعدوانية والانتهازية أو غيرها من الحاجات اللى اتكلمنا وما اتكلمناش عنها. فهل معنى كدة أننا ممكن مثلاً نقول أن فيه جين مسئول عن أنه يخلى حد ينقذ حد تانى من الغرق؟

الإجابة اللى بيقدمها الكتاب أنه بالشكل الحرفى أكيد مفيش جين معين هو اللى مسئول عن سلوك زى ده، بس ده لا يمنع أن الموضوع يكون معتمد على مجموعة من الجينات اللى وجودها مع بعض بشكل معين أدى فالنهاية لأن الشخص يميل لأنه يتصرف بالشكل ده وأن تأثير الجينات ممكن يكون أكبر بكتير من الشكل اللى كان ممكن نتخيله. 

جين الhygiene

فيه مرض معدى بيصيب النحل اسمه foul brood بيهاجم اليرقات فى الأماكن بتاعتهم فى خلية النحل. فبملاحظة أنواع أو سلالات النحل المختلفة لقوا أن فيه سلالات معينة معرضة أكتر للمرض ده من غيرها وأن السبب فى ده هو سلوك النحل اللى بيعرف يوقف انتشار العدوى بأنه يلاقى أماكن اليرقات اللى حصلها عدوى ويشيل غطا الشمع منها ويطلع اليرقيات دى ويرميها برا خلية النحل خالص. فهل ممكن يكون سلوك تنضيف خلية النحل (hygiene) ده فيه جين مسئول عنه وبيتم توريثه للأجيال الجديدة من السلالات دى؟

عشان نثبت حاجة زى كدة فيه واحد اسمه Walter Rothenbuhler عمل تجربة يختبر فيها إذا كان فيه جين أو جينات بيتورث مسئولة عن السلوك ده ولا لأ. وكمعلومة جانبية سريعة كدة، فى مملكة النحل بيكون فيه ملكة واحدة (queen) هى اللى بتقوم بوضع البيض وده دورها الأساسى فى حين أن الشغالات (workers) واللى عددهم بيكون كبير جداً دول بيبقوا إناث بس مش بيتكاثروا، وفيه شوية ذكور (drones) دول سعيد الحظ منهم هو اللى بيتزاوج مع الملكة وبيموت على طول بعد ما يأدى دوره فى معاشرة الملكة.

المهم عم Rothenbuhler ده اشتغل على مملكة نحل من النوع اللى بينضف الخلية بتاعته، وجاب ذكر (drone) من سلالة تانية اللى معندهاش سلوك التنضيف (hygiene) وخلاه يتزاوج مع ملكة الخلية النضيفة وبدأ يشوف الجيل اللى هيطلع ده هيتصرف ازاى. فلقى فعلاً أن الجيل الجديد فيه workers مش بيقوموا بعملية التنضيف دى وكأن جين التنضيف ده عندهم بقى جين متنحي(recessive) .

بعد كدة الراجل جاب ذكر عنده جين التنضيف وخلاه يتزاوج المرة دى مع ملكة النحل من الجيل الجديد المختلط وراقب تصرفات الجيل اللى بعده. النتيجة كانت أن النحل فى الجيل الجديد اتقسم لتلات أنواع: النوع الأول بيقوم بمهام التنضيف كاملة زى ما كان بيحصل قبل كدة، والنوع التانى معندوش سلوك التنضيف ده خالص، أما النوع التالت فده كان بيقوم بنص الشغل. النوع التالت ده كان بيلاقى فعلاً أماكن اليرقات اللى حصلها عدوى وبيشيل غطا الشمع بس مش بيخرج اليرقات ويرميها برا خلية النحل.

فمن هنا توصل عم Rothenbuhler لأن على ما يبدو كدة أن جين النضافة ده مش جين واحد ده عبارة عن جينين: واحد منهم مسئول عن أنه يشيل الشمع اللى فى الأماكن اللى فيها يرقات أصيبت بالمرض والجين التانى مسئول عن أنه يخلى النحل يرمى اليرقات المصابة برا الخلية. وطبعاً منقدرش نقول أنه برده جين واحد هو اللى مسئول عن أن النحل يشيل الشمع، وأن التصرف ده ممكن يتم تفسيره على أن الشمع اللى فى الأماكن اللى فيها يرقات مصابة طعمه بيجذب النحل ويخليه ياكله وبالتالى يشيل الشمع ده خالص من الأماكن دى.

أما قصة صحيح .. ايه العبرة بقى

فاللى الكتاب عايز يطلع بيه من المثال ده هو أنه لما نقول أن فيه جين مسئول عن سلوك معين زى ما شوفنا سلوك التنضيف (hygiene) عند النحل فمش بالضرورة مقصود أننا بنتكلم عن جين واحد عمل كدة لكن الموضوع ممكن يكون داخل فيه مجموعة أكبر من الجينات اللى مسئولة عن حاجات مختلفة، وفى النهاية الحاجات دى كلها بتؤدى لأن الفرد اللى عنده مجموعة الجينات دى يتصرف بشكل معين. ومن هنا مجازاً نقدر نطلق تعبير الجين المسئول عن تصرف كذا باعتبار أننا مش بنتكلم عن جين واحد فعلياً لكن عن مجموعة من الجينات اللى وجودها مع بعض أدى للتصرف ده.

وبناء عالكلام ده نقدر نشوف أن التصرفات والسلوكيات الأكثر تعقيداً واللى ممكن ميكونش واضح تأثير الجينات فيها بشكل مباشر فعلياً فيه سبب جينى وراها، وطبعاً نتيجة شدة التعقيد ممكن منقدرش دايماً نفصل الجينات بتجربة زى تجربة النحل. لكن نقدر نتخيل ازاى ممكن مجموعة من الجينات ممكن يكون لها تأثيرات مختلفة على كيميا المخ والأعصاب وغيرها من الحاجات اللى فى النهاية ممكن تنتجلنا سلوك زى أن حد ينقذ حد تانى من الغرق وساعتها يجوز أننا نسمي ده باسم  saving-companions-from-drowning geneب ، ونبدأ بقى نشوف التصرفات المختلفة اللى الكائنات بتعملها من منظور جينى ونطبق عليها بقى نظرية الجين الأنانى.

Comments