الجين الأنانى (6): الجينات عايزة مننا ايه؟

مقدمة

نظرية الجين الأنانى نقدر نتعامل معاها كمنظور مختلف لتطور الكائنات واللى ممكن نستفاد منه فى استنتاج وتفسير حاجات كتير عن الكائنات الحية، لكن مش محتاجين نتعامل معاها على أنها صح مطلق أو هتفسر كل حاجة ولا على أنها غلط مطلق ومجرد كلام فاضى .. وطبعاً مش محتاجين نأكد أننا لما بنقول الجينات "عايزة" فده مجرد تعبير مجازى .. فعشان نعرف هى الجينات عايزة ايه محتاجين نرجع لورا ونشوف القصة بدأت ازاى من الأول.

قصة الجينات

كان ياما كان فى قديم الزمان شوية molecules بدأت تتشكل على كوكب الأرض من العناصر الموجودة عليها، وعند نقطة معينة ظهر بالصدفة molecule مميز جداً هنسميه الreplicator ومن اسمه نقدر نعرف أن الحاجة المميزة فى الmolecule ده دوناً عن بقية الmolecules هو أنه بيعرف يعمل نسخ جديدة من نفسه، وببساطة ممكن نعتبره كقالب بيشكل بيه الmolecules الأصغر منه بحيث يكون ليهم شكل أو pattern معين زى الreplicator الأصلى.

ومع الوقت بدأ الreplicator ده يعمل نسخ جديدة منه والنسخ الجديدة تعمل نسخ جديدة وهكذا.. وجدير بالذكر هنا أننا نقول أن عملية النسخ (copy) ساعات بيحصل فيها غلطات ومع تراكم الغلطات دى بقى عندنا أنواع مختلفة من الreplicators وطبعاً كل نوع منها عمال يعمل نسخ جديدة منه لحد ما تشبعت البحار بالreplicators دى، والمكونات أو الmolecules الأصغر اللى بتحتاجها عشان تعمل نسخ جديدة بقت أكثر ندرة وعليها تنافس كبير.

وبدأت المنافسة بين الreplicators على الموارد والموضوع بقى يتطلب أكتر من مجرد أنهم يتواجدوا بالشكل اللى هم عليه وخلاص. الظروف بقت تحتم عليهم أنهم يشوفوا طرق جديدة يعرفوا يحافظوا بيها على وجودهم وتحميهم من خطر الفناء .. ومن هنا بدأت تظهر فكرة أن الreplicator يبنى لنفسه مركبة (vehicle) يعيش جواها تحميه وتساعده أكتر على البقاء. ويمكن الخلية الحية كانت أول وأبسط تجسيد لفكرة المركبة (vehicle) دى باعتبارها مجرد غلاف (coat) من البروتين بيحافظ على الreplicator اللى جواها ده.

الreplicators دول دلوقتى بقى اسمهم الجينات (genes) .. الجينات نفسها تفضل موجودة للأبد ولولا المنافسة وظروف الحياة كان زمان الmolecules دى مكملة حياتها بالشكل البدائى اللى بدأت بيه وخلاص بدل الفرهدة دى، بس للأسف ده مش هيضمنلها الوجود الأبدى. فكان لازم تبدأ تتبع استراتيجيات جديدة عشان تواجه بيها صعوبات الحياة وتزود فرصها فى البقاء.

ومن الاستراتيجيات اللى كانت مفيدة جداً هى أن كل مجموعة من الجينات تبدأ تتعاون مع بعض فى بناء المركبة (vehicle) اللى هيعيشوا فيها، وطول الوقت هيحاولوا يكبروا ويطوروا المركبة دى لأن المنافسة مش هتنتهى أبداً. وكل ما الجينات تبنى مركبة متطورة هيجى جينات تانية يعملوا مركبة أحسن منها وهكذا. فبالتالى لو الجينات فضلت فى نفس المركبة على طول فرصهم فى البقاء هتقل، فكان لازم كل فترة يفركشوا ويدوروا على جينات جديدة يبنوا معاها مركبة جديدة ممكن يكون ليها فرص أحسن فى البقاء.

المركبة دى هى كل الكائنات الحية بما فيهم احنا أو زى ما بيسميها الكتاب الsurvival machines .. ودورها أنها تحافظ على الجينات الأنانية اللى بتشيلها لفترة مؤقتة لحد ما عن طريق التكاثر الجينات دى يتم تمريرها لsurvival machines تانية وتفضل تنتقل من مركبة للتانية عشان تحافظ على وجودها للأبد. ففى النهاية الحاجة الوحيدة اللى تهمها هى أنها تفضل موجودة واللى عشانه مستعدة تعمل أى حاجة. وهو ده جوهر نظرية الجين الأنانى!

"We are survival machines, robot vehicles blindly programmed to preserve the selfish molecules known as genes."

الوعى

وعلى مدار السنين المركبات (vehicles) تطورت اوى واتكونت أعضاء الجسم المختلفة والعضلات عشان تساعد المركبة فى الحركة والتعامل مع العالم الخارجى، وبعدها بدأت يتكون المخ عشان يتحكم فى المركبة دى بشكل أحسن وكأنه كومبيوتر بيقوم بعمليات حسابية معقدة عشان يساعد الجسم يشتغل بشكل أذكى، وكمان بقى عنده ذاكرة يخزن فيها المعلومات اللى بتعلمها عشان يستفاد منها لحد ما وصل للشكل اللى احنا شايفينه دلوقتى واللى يبدو لينا ككيان عنده وعى .. بس هو الكومبيوتر أو الrobot ممكن يبقى عنده وعى؟!

زى ما الطبيعة قدرت قبل وجود الإنسان تتطور تكنولوجيا متطورة زى العدسات اللى بتسخدم فى الإبصار وتحليل الموجات الصوتية للسمع والذاكرة اللى بتخزن المعلومات وغيرها من الحاجات اللى اتطورت عشان تخلى الsurvival machine تأدى بشكل أحسن .. ففكرة الsimulation فى حد ذاتها مش بالضرورة تكون فكرة بشرية من الأساس وغالباً الطبيعة توصلت للفكرة دى من بدرى شويتين.

بس يعنى ايه simulation؟ هى ببساطة أننا بنعمل نماذج تحاكى الحاجات فى الواقع اللى عايشينه ونحطهم مع بعض عالكومبيوتر ونبدأ نشوف هيتفاعلوا ازاى مع بعض وايه النتائج اللى هتطلع، ودى تبقى طريقة نتنبأ بيها باللى ممكن يحصل على أرض الواقع وده طبعاً يساعدنا جداً فى أننا نتعامل بشكل أحسن مع العالم الخارجى ونسخره لصالحنا.  

طب ما كدة ممكن نشوف مخ الانسان أو الحيوان على أنه كومبيوتر بيعمل simulation وبيبنى نماذج بناء على المعلومات اللى بتجيله من الحواس عن العالم اللى هو موجود فيه واللى تساعده فى أنه يعمل خطط طويلة المدى وياخد قرارات مستقبلية.

بس احنا مش بنقول على الكومبيوتر اللى بيعمل simulation أنه عنده وعى، فجت منين فكرة الوعى دى؟ يمكن فكرة الوعى بتنشأ لما الكومبيوتر يكون عنده نموذج كامل عن العالم اللى موجود فيه بما فيه أنه يعمل نموذج لنفسه فى العالم ده، ومن هنا يبدأ يكون عنده إدراك لنفسه ولغيره ولبقية العالم الخارجى .. بس هل بقى مع تطور الوعى ده يقدر الإنسان يكون هو المتحكم فى حياته ويتحرر من سيطرة الجينات عليه ويتمرد على أسياده؟

Comments