الجين الأنانى (4): حب الأهل أنانية

يعنى ايه الجين يبقى أنانى؟

لما بنوصف جين بأنه أنانى فاحنا منقصدش خالص أن الجينات عندها أى وعى ولا فاهمة يعنى ايه أنانية ولا فاهمة أى حاجة فى أى حاجة. وحتى لما بنقول الجينات بتعمل كذا عشان تزود فرص تمريرها للأجيال اللى بعد كدة فده مجرد كلام مجازى مش مقصود بيه بأى شكل أن الجينات بتاخد أى قرار ولا بتختار تعمل أى حاجة.

الفكرة أن الطفرات بتحصل طول الوقت بشكل عشوائى وبالتالى فيه جينات الطفرات دى بتساعدها فى أنها تستمر وجينات تانية مش بتساعد أصحابها على البقاء فبتندثر، فلما بنيجى نبص على الجينات اللى نجحت فى أنها تكمل ونشوف ايه العوامل اللى ساعدتها فى ده بنلاقى أن التغييرات المهمة بتحصل بشكل معين يبدو لنا وكأن الجينات بتحاول تحافظ على بقائها وانتشارها وفى سبيل ده بتأثر على أصحابها بأشكال مختلفة يبدو لنا وكأنها واعية وبنقول عليها ساعات أنها أنانية.

وده توضيح مهم جداً عشان مش كل ما نقول الجينات "عايزة" أو أنها انتهازية نرجع نأكد على أن ده كلام مجازى بنستخدمه بس عشان نرسم صورة ذهنية للمراحل بتاعت التطور.

أنا وجينات أخويا على ابن عمى وأنا وجينات ابن عمى عالغريب

فمن الحاجات اللى الجين بيعملها عشان يزود فرص استمراره هى أنه يساعد بقية النسخ الموجودة منه فى الأفراد التانيين على البقاء، وبالتالى صفة الإيثار أو التعاون بين البشر وبعضهم وخصوصاً بين أفراد العائلة زى ما هنشوف مش بالضرورة تكون هى الوضع الطبيعى اللى الكائنات متصممة بيه. لكن تطور الصفات دى كان مفيد جداً لجينات أصحابها فى أنها تستمر، وبالتالى نقدر نعتبر الإيثار وحب أفراد العيلة ومساعدتهم لبضعهم على أنه نوع من الأنانية فى صميمه لأن الصفات دى لو مكنتش مفيدة كانت هتندثر ومكنش هيبقى ده الوضع الطبيعى ومكناش هنشوف الأم بتحب ولادها ولا أفراد العيلة بينهم روابط قوية.

وتانى مش مقصود أن الأهل بشكل واعى اختاروا أنهم يحبوا عيالهم عشان دول اللى شايلين جيناتهم ولا أن جيناتهم خلتهم يحبوا عيالهم، لكن صفة حب الأبناء -واللى هى حاجة صادقة فعلاً مش مصطنعة- فى حد ذاتها اتطورت ولأنها حققت نجاح فضلت مستمرة معانا وبقينا بنعتبرها طبيعة أو غريزة عندنا .. والموضوع مش بس واقف عن حب الأبناء لكننا ممكن ناخد المنظور ده ونطبقه على درجات القرابة المختلفة.

فلو أنا عندى جين ما والجين ده عايز يزود فرصه فى الاستمرار فمن مصلحته أنه يخلينى اهتم بأخواتى لأن احتمالية أن أخواتى يكونوا شايلين نفس الجين هى 50%، وطبعا ده لأن الجين احتمال يكون جاى أما من الأب أو من الأم ومفيش احتمال تالت. فبنفس الطريقة الجين ده ممكن يكون اتنقل لأخويا أما من الأب أو من الأم برده طالما بنتكلم عن نفس الأب ونفس الأم.

ومن هنا ممكن نقدر نستخدم مقياس لدرجة القرابة (relatedness) بيعبر عن احتمالية أن الجين اللى عندى يكون برده عند قريبى. فالrelatedness بين الأب أو الأم وابنهم هتساوى دايما 0.5، والrelatedness بين العم وولاد أخوه هتكون ب0.25 لأن العم وأخوه بنسبة 50% بيشاركوا نفس الجينات و50% من الجينات اللى عند الأخ ده هتتنقل لولاده، فبالتالى بنسبة 25% ولاد الأخ هيكون عندهم نفس جينات عمهم. وهكذا نقدر نطبق نفس طريقة الحساب دى على بقية درجات القرابة بنفس الشكل ده. 

وبناء على المقياس ده نقدر نشوف ازاى الروابط اللى بينا دلوقتى اتشكلت وازاى أخواتنا أهم لينا من ولاد عمنا مثلاً وولاد عمنا أهم وأقرب لنا من ولاد ولاد عم أبونا وهكذا .. وطبعاً الجينات مش حريصة على صلة الرحم ولا على قرايبنا لذاتهم قد ما هى من مصلحتها أن لو أنا حصلى حاجة هم يكملوا المسيرة أو أن احنا وهم وبقية النسخ اللى موجودة نزود أكتر معدل انتشار الجينات دى فى الأجيال اللى بعد كدة.

كمان نقدر نشوف ليه الأخوات التوأم بيبقوا قريبين اوى اوى لبعض، وده لأن احتمالية أن الجين اللى عند حد فيهم يكون عند التانى هى 100% فالأخ بيحرص على أخوه التوأم زى ما بيحرص على نفسه بالظبط .. طبعاً دى مش قاعدة حتمية بس ده التصرف اللى هيساعد الجينات تكمل وبالتالى وجوده هيبقى متوقع ومنتشر.

وطبعاً محدش بيعمل ده بشكل واعى ويحسب الrelatedness بينه وبين قرايبه عشان يشوف يهتم بيهم قد ايه، لكن مع التطور الsense ده اتشكل عندنا لأنه ده أحسن سلوك كان بيساعد الجينات على الاستمرار.

ليه قرايب الأم ألطف من قرايب الأب؟

وبالإضافة للمقياس بتاع الrelatedness فيه مقياس تانى مهم وهو الindex of certainty أو مدى اليقين أن أطفالنا دول أطفالنا أصلاً، ودى حاجة مهمة جداً جداً ومنها نقدر نفسر حاجات تانية كتير .. فعلى سبيل المثال فى نسبة كبيرة من الكائنات الأم بيبقى عندها درجة يقين أكبر أن دول أطفالها أكتر من الأب لأنها هى اللى خلفت الطفل ده أو رقدت على البيض بنفسها .. أما الأب الغلبان فهو أكثر عرضة للخداع وأن العيال اللى مراته تخلفهم ميكونوش عياله. وده ممكن يفسر بشكل ما ليه الأم بتهتم بأطفالها أكتر بكتير من الأب، وده لأنها عندها درجة يقين أكبر أن ولادها دول هم ولادها وشايلين جيناتها بعكس الأب اللى ممكن يقعد يستثمر فى عيال مش عياله ويبقى جيناته راحت هدر.

مش بس كدة ده كمان أهل الأم بيكونوا مهتمين أكتر بأولادها وأقرب ليهم مقارنة بمدى اهتمام أهل الأب بأولاده لأنه أهل الأم ضامنين أكتر أن العيال دول يكونوا شايلين جيناتهم بعكس أهل الأب اللى الله أعلم إذا كان دول عياله ولا لأ.. دلوقتى عرفنا ليه بقى بيقولوا أن الخال والد :)

فى كتاب The Moral Animal الكاتب اتعرض لنفس النقطة دى واعتبرها بتفسر حاجات فى ثقافتنا زى مفهوم الشرف وليه الرجالة متحكمين أكتر فى الستات وغيره من السلوكيات اللى الواحد مكنش يتخيل أن ليها دوافع تطورية بالشكل ده واللى ممكن نتعرضلها بشكل مفصل بعدين .. بس مثلاً نقدر نشوف أن الراجل اللى عنده غيرة على مراته هيضمن أكتر أن العيال دول عياله بعكس الراجل الديوث (لول) اللى الله وأعلم بقى مراته جايباله العيال دول منين، وبالتالى صفة الدياثة هتبقى مكروهة ومنبوذة وصفة الغيرة على الزوجة واللى ممكن يبقى مبالغ فيها هتنتشر لأنها الأنجح فى تمرير جينات أصحابها.

لكن الكلام ده يثير سؤال عند اللى بيسمعه أو بيقراه وهو هل فعلاً الجينات بتأثر على السلوكيات والتصرفات بالشكل ده؟ دى حاجة ممكن ناخد عنها فكرة المرة الجاية!

Comments